بيروت والموسيقى والعلاقة التي جمعتهما حديثاً

أضحى الفن في لبنان والموسيقى خصوصاً سلعة نستخف بها وننسى أمرها مع مرور الأيام، رغم ما يعرف عنها من انها دواء كل علة. وفي مجتمع باتت فيه السياسة همّاً نتناقله كباراً وصغاراً، مع غياب الحد الأدنى من وسائل الترفيه والمساحات الخضراء، وجدت نفسي في مدينة أضحت قريبة جداً من التخلي عن الموسيقى، الموسيقى بمعناها الجميل، و بنغماتها العذبة.
سأخبركم قصتي مع بيروت والموسيقى والعلاقة التي جمعتهما حديثاً. أمست بيروت مدينة شبه مجرّدة من بيروتيّتها وهويتها، موسيقاها عبارة عن صراخٍ وزمامير، وأحياناً، ويا للأسف، رصاص.
كادت الشروط الآتية ان تحدد الموسيقى: أجسام مثالية وعمليات تجميل وأصوات معدلة (والشكر للتكنولوجيا طبعاً) وإطلالات متكلّفة و… سؤالي كان ولا يزال: لم هذا التكلّف في انتقاء الفن؟ لم الترويج لموسيقى فقدت معانيها؟ لم نهمل ما يعمل العديدون على إيصاله لنا من جديد؟ متى كانت آخر مرة نزلت فيها وسيلة إعلام إلى شوارع بيروت، فجالت وسألت وتفقدت زواريب المدينة الجميلة التي تخبّىء كنوزاً جديدة وبراعم من الفن؟
قصة الموسيقى والشباب في لبنان شبيهة بقصة السياسة والوجوه الجديدة، ففي حين يرفض الزعماء الإفساح في المجال لجيلٍ جديد يحلم بتحسين لبنان، يرفض فنانونا أيضاً التواضع لانطلاق جيل جديد خلاق من الفنانين والموسيقيين الطموحين.
تستضيف البرامج الفنية التلفزيونية تحديداً وجوهاص فنية مكررة تتسلح بعمليات التجميل لكسب المزيد من الوقت في الساحة، فيغيب الصوت وتغيب الأخلاق ومعهما التواضع حيث أصبح مثال الفن في ذاته عبارة عن فنانة تتململ في سريرها مستنزفةً قوى حنجرتها لتصيب نوتة أو بالكاد اثنتين.
وقد نجح بعض البرامج الاذاعية في تسليط ضوء ولو خافتاً على الموسيقى والشباب اللبنانيين، أما النجاح الأكبر فجاء في مهرجانات تخصص ساعات لهذه المواهب كمهرجان الحمراء كل أيلول وعيد الموسيقى الذي يصادف اليوم. أهمية هذه المناسبات أنها تحولت صلة وصل بين ما كان ولا يزال يجسّد الفن الموسيقي الجميل، وبين أجيال جديدة تبدع فتقدم ألواناً جديدة غالباً ما تحمل رسائل في طياتها عن أهمية التغيير، فتبتعد الأخيرة عن المظاهر والماديات وتكرّم الموسيقى الحقيقية.
اليوم وأنا جالسة في مكتبي سأسمع موسيقى، وأنت أيضاً أيها القارىء ستسمعها، إلا ان مصدرها لن يكون جهاز الكومبيوتر أو هاتفك. اليوم تحتفل بيروت بعيد الموسيقى، اليوم ستغني بيروت، وأنا سأجول في شوارعها أغني بدوري، سأغني للسلام والحرية والمحبة والصحة والاحترام والاخوة والمواطنة والمرأة والرجل و العجوز والطفل واللبناني والعامل الأجنبي والغني والفقير والمريض والمحتاج، سأغني للبنان وسأكرّم شبابه المناضل باسم الموسيقى، علّنا يوماَ ما نناضل بهذا القدر وبهذه العزيمة لتغيير واقع لبنان.

لونا صفوان

This entry was posted in Uncategorized and tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Leave a comment