رجال الدين و”فايسبوك”: هنا تنتفي الرهبة ووقار الثوب

“شيخ بيعمل Like، شيخ بيعمل Comment”. “أبونا بيعمل Add، وآخر Share”. رجل دين يناقش، رجل دين يُنتقد. رجل الدين يتقبل! ويضحك. تخلى رجال الدين عن حصانتهم المعنوية…  هذا ليس تخيّلاً كاريكاتورياً أو أمنية بعيدة المنال: رجال الدين أصبحوا على “فايسبوك”، ويتبعون قواعده.

دخلت مواقع التواصل الاجتماعي صلب حياة المواطنين ولم تعد مقتصرة على فئة دون أخرى. فبعد جيل الشباب الذي كان أول المبادرين الى تبني هذه المواقع واستخدامها، انخرطت الأجيال السابقة تدريجاً في استعمال تلك الخاصية الجديدة في العالم الالكتروني. وجد هؤلاء أنفسهم مرغمين ربما على مواكبة هذا المستجد كل في مجاله. وجد الجميع ان العالم الوهمي اصبح الخطّ الموازي للعالم الحقيقي.
لم يعد أحد قادراً على تجاوز هذا العالم. الكاتب يحتاج الى “فايسبوك”، فعدد الذين يقرأون كتاباته على المواقع الالكترونية أكثر من الذين يقرأونها في وسائل الاعلام “التقليدية” من صحف ومجلات. رجال السياسة شعروا أيضاً بأن لمستخدمي “تويتر” و”فايسبوك” أصواتهم “الانتخابية” التي لا يمكن تجاوزها، فقرروا أيضاً اللحاق بهذه الشريحة الى “ملعبها” في العالم الافتراضي، وغيرهم كثر أقدموا على الخطوة نفسها، من أصحاب شركات الى فنانين وناشطين وغيرهم.

صفحات الايمان
قرر رجال الدين “اللعب” في ملعب الرعية، حيث لا خطابات ولا منابر تقليدية، ولا تراتبية مكتسبة من تقاليد المجتمع. تخلّوا عن رهبة اثوابهم، وتذكّروا ان مهمتهم تتلخص أساساً في التوجه الى الناس، ووجدوا ان هؤلاء اصبحوا في مكان آخر. قرروا ازالة الحواجز مع كل متلقٍ، في قرار قد لا يكون طوعياً، الا انه لا يترك الكثير من الخيارات.
“من ضرورات هذا العصر. وسيلة تواصل على مستوى واسع لا يستطيع احد تخطيها او الغاء اهميتها”، بهذه الكلمات يختصر الشيخ محمد قانصو اهمية “فايسبوك”، موقع التواصل الاجتماعي الذي وجد نفسه مضطراً للجوء اليه. ظهرت اهمية “فايسبوك” جلية امام الرأي العام، وفق قانصو، عندما استغل الشباب العرب هذا الموقع وغيره لاشعال ثوراتهم وتنسيق تحركاتهم.
واضافة الى اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة علمية تسهل أمور البحث، يرى الشيخ ان “فايسبوك خلق منبراً مفتوحاً، يتيح لأي كان اطلاق المواقف عبره والتوجه بها الى اي كان. قبل ذلك كانت المنابر المكانية محدودة جداً، اما اليوم فاصبح التواصل أشمل. من خلال فايسبوك توصل ما لديك بكل حرية”. يبدو ان كل ما تقدم كان بمثابة الدافع الذي جعل قانصو يدخل العالم الوهمي “اذ لا يمكن ان نقول (كرجال دين) ان فايسبوك يعتبر من البدع كما يزعم بعضنا”.
يعتبر ان المسافة بعيدة بين رجل الدين والشباب، ولذلك وجب “ان نعمل لندعو الشباب الينا، ولنقوم بذلك علينا ان ندخل عالمهم، وبهذا الهدف أستخدم الموقع. اسعى الى جعل الشباب يتقبلون رجل الدين ولا يتخطون فكرة كون هؤلاء ينتمون الى جيل غير جيلهم. احاول ان آخذ المبادرة لاقترب من الشباب”.
يقوم قانصو على حسابه بنشر مقالات الرأي التي يكتبها ويتناول فيها قضايا اجتماعية عدّة تهم الجميع “بدأت بالكتابة عام 2009 واقوم بنشر مقالاتي على فايسبوك حيث يدور نقاش حيوي وفاعل مع عدد كبير من الاصدقاء”. كما يستفيد من حسابه للتعرف الى أشخاص من مناطق لبنانية ودول عربية مختلفة “نستغل هذا التعارف عادة في خدمة قضايا انسانية نحددها معاً”. ويعبر عن موقفه السياسي عبر نشر صور توصل الى حقيقة الموقف وتعالج اشكاليات عدة. وللإرشاد الديني مكانه المحفوظ “لكن نشاطي على الموقع لا يقتصر على هذا الأمر، فرجال الدين الذين لا يقومون بسوى ذلك لا يستفيدون من خصائص فايسبوك بل على العكس، هم يسيئون استخدامه والتواصل مع الشريحة التي يتفاعلون معها من خلاله”.
من جهته، ينشط الخوري ألان نصر على “فايسبوك” بمعدل ساعة ونصف ساعة يومياً، واذا كان الهدف الاساسي لاستخدامه هو الترويج لبعض النشاطات التي يقوم بها في رعيته ودعوة اكبر عدد ممكن من الاشخاص الى حضورها، فإن نصر لا يهمل التواصل الشخصي مع اقربائه واصدقائه.
أنشأ نصر حسابه على “فايسبوك” في الفترة التي كان سيلتزم فيها الكهنوت، وأراد ان يدعو عدداً كبيراً من معارفه، وكانت هناك استحالة في الوصول الى الجميع كما يقول “نصحني البعض بانشاء حساب خاص وارسال الدعوات عبره، وهذا ما حصل”.
جرى الأمر قبل نحو سنة، وحالياً تجاوز عدد أصدقائه الالفين، يتواصل معهم، يرسلون اليه اسئلة في المجالات الدينية والاجتماعية والحياتية الخاصة “ومن المؤكد ان عدد الذين يوجهون اسئلتهم عبر فايسبوك يفوق من يطرحون الاسئلة في المجتمع. وعبره أيضاً يقوم البعض بطلب موعد للقاء، وهذا يحدث عادة في الكنيسة حيث يتم النقاش بيننا”.
كما يستغل نصر وجوده على “فايسبوك” ليصحح بعض المفاهيم الدينية الخاطئة، “احيانا اقرأ تعليقا او موقفا لبعض الاصدقاء يكون مخالفا للتعاليم الدينية، اقوم عندها بالدخول في نقاش طويل مع صاحب الموقف في محاولة مني لتصحيح هذه الامور”.
يعتبر ان الرهبة التي يحظى بها رجال الدين في المجتمع “تنتفي على فايسبوك، وعليهم تقبل هذه الحقيقة، وتقبل فكرة ان رجل الدين يمكن ان يخطىء، ان يناقش، ان ينتقد. هذه يجب ان تكون الخطوة الثانية بعد خوضهم العالم الوهمي”. ويضيف: “من واجبنا ان نكون بين الناس، والناس اصبحوا على فايسبوك، ولذلك بتنا ملزمين ان ندخل عالمهم وان نلعب لعبتهم. علينا ان ندخل معهم في نقاش ندّي، ان نناقشهم في همومهم، في مشاكلهم، وليس فقط ان نعظهم ونلقنهم التعاليم الدينية… هذا لا يجدي نفعاً على فايسبوك”.

علي منتش

This entry was posted in Weekly Supplement and tagged , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Leave a comment