الصوت المجهول

ليل الاثنين – الثلثاء انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبر اختراق مجموعة قراصنة مجهولين عدداً من المواقع الالكترونية التابعة لوزارات ودوائر رسمية. “الصمت جريمة”، واختارت مجموعة أطلقت على نفسها اسم “إرفع صوتك”، ان تكسر هذا الصمت المتفشي في النفوس قبل ان ينعكس في الشوارع وعلى الانترنت.
البحث عن هؤلاء الأفراد المجهولين مهمة شبه مستحيلة. حمْلُهم على التحدث مهمة أصعب. طرف الخيط الذي قادنا اليهم معلّق في انتظار إجابات عن أسئلة كثيرة طرحناها، وانتظرنا الرد عليها حتى بعد ظهر امس. لربما اختار القراصنة العودة الى حالهم “المجهولة”، لكن صمتهم المكسور الذي طبع المواقع الالكترونية الرسمية (المشكوك في فعاليتها أساساً)، استمر في الخرق امس، وآخر ضحاياه موقع المجلس الأعلى للخصخصة، الذي “تمايز” عن المواقع الأخرى بأن رسالته الافتتاحية كتبت بالعربية، وجاء فيها الى صورة الشعب الجائع الذي يطعم حكومة متخمة: “نحن مجموعة إرفع صوتك، ونحن ببساطة مجموعة أشخاص لم يعودوا قادرين على تحمل البقاء صامتين يشاهدون كل الجرائم والظلم الحاصل في لبنان. لن يتم اسكاتنا وغسل دماغنا من جانب إعلامكم. لن نتوقف الى ان يتحرك الشعب اللبناني ويطالب بحقوقه ويحصّلها. لن نتوقف الى ان يتم رفع معايير المعيشة الى المستوى الذي يجب ان تكون عليه في لبنان. لن نتوقف الى ان يتم حل مشاكل الحكومة المفتعلة، مثل انقطاع التيار الكهربائي والمياه وارتفاع اسعار المحروقات وغلاء أسعار المواد الغذائية. نحن مجموعة “إرفع صوتك”، توقعوا منا ان نكسر الصمت، إن في الشوارع أو على الانترنت”.
اختارت المجموعة ألا تبقى صامتة، وإن أرادت التخفي خلف الستارة. الأكيد ان “الشعبية” التي عرفتها في الأيام القليلة الماضية مرشحة للزيادة اذا ما وفت بوعدها واستمرت في توجيه الرسائل. هل نعتقد ان قرصنة مواقع الكترونية شبه مشلولة سيؤدي الى “رفع مستوى المعيشة الى المستوى الذي يجب ان يكون عليه”؟ بالتأكيد لا، لكن خطوات كهذه تشير الى ان مستوى التغافل عن الظلم اللاحق بنا منذ أجيال، بدأ بالتراجع، وثمة من قرر ان يقول كلمة ما. هل حمِّلت الخطوة أكثر مما تستحق؟ ربما، لكننا نعيش في زمن ومجتمع نتوق فيهما الى مبادرة تحمل ضوءاً وإن كانت مغلّفة بالعتمة. الضوء صامت كما تجهيل الفاعلين الذين لا يريدون شهرة. هل لنا ان نسلّم ان الأمر لن يتوقف وينضم الى “سلسلة” من المبادرات والخطوات التي حاولت ان تغيّر شيئاً ما، ولو تحريكه قيد أنملة؟ التجارب الماضية علّمتنا ان الثابت الوحيد في هذه البلاد انها أصبحت بلا ثوابت، قائمة على تحركات مرحلية تفقد زخمها مع مرور الوقت وتبدّل المصالح.
كانت “الكهرباء مقطوعة” قبل ان تقرر “إرفع صوتك” قرصنة الموقع الالكتروني لوزارة الطاقة والمياه، والذي أضيف اليه الموقع الالكتروني للمكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية، ووزارات الداخلية والخارجية والمغتربين والأشغال العامة والنقل والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي و”الوكالة الوطنية للإعلام”… في الفضاء الالكتروني أيضاً، شريط على موقع “يوتيوب” أعلن إطلاق #OpLebanon، ضمن منظومة “أنونيموس” التي تبنت الكثير من عمليات القرصنة عالمياً، وفيه دعوة الى “الانضمام الينا في مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية”.
أكانت “إرفع صوتك” مبادرة فردية لمجموعة مجهولة، أم انتساباً “طوعياً” الى تحرك أكبر، فما لا شك فيه ان الخطوة كرست بعضاً من رتابة، واختارت الفضاء الالكتروني مسرحاً للحركة، عله يكون أكثر نجاحاً من الشوارع المتقابلة التي ما أوصلت يوماً الى “خرق” اجتماعي معيشي. ما لنا إلا ان ننصت لهذا الصوت.

  كريم أبو مرعي 2012-04-19

This entry was posted in Weekly Supplement and tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

Leave a comment